وقد قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرًا تعليق العمل باتفاقية عام 2013 التي كانت تُعفي الدبلوماسيين الجزائريين من تأشيرات الدخول إلى فرنسا، وذلك في خطوة تُعد تصعيدًا دبلوماسيًا غير مسبوق منذ سنوات. وجاء قرار ماكرون في سياق توترات متزايدة بين باريس والجزائر، خاصة بعد رفض الجزائر استقبال رعاياها الذين صدر بحقهم أوامر ترحيل من فرنسا. وبررت باريس هذه الخطوة بتدهور التعاون في ملفات الهجرة والأمن، بالإضافة إلى قضايا أخرى مثل اعتقال كاتب مزدوج الجنسية في الجزائر، والهجوم بالسكين الذي وقع في فرنسا ونُسب إلى مهاجر جزائري كانت باريس قد حاولت ترحيله سابقًا. كما طلب ماكرون من حكومته التشاور مع شركاء فرنسا في منطقة شنغن لضمان تطبيق هذه القيود بشكل موحد، ومنع الدبلوماسيين الجزائريين من دخول فرنسا عبر دول أوروبية أخرى. ومن المتوقع أن ترد الجزائر على هذا التصعيد بإجراءات مماثلة، قد تشمل فرض قيود على الدبلوماسيين الفرنسيين أو مراجعة الاتفاقيات الثنائية في مجالات أخرى. ويأتي هذا في ظل توتر سابق بسبب دعم ماكرون لموقف المغرب في قضية الصحراء الغربية، الأمر الذي أثار استياء الجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو. وعلى الصعيد الدولي، يُذكر أن السيناتور الأمريكي ماركو روبيو، الذي يشغل حاليًا منصب وزير الخارجية، كان قد دعا في عام 2022 إلى فرض عقوبات على الجزائر بسبب صفقاتها العسكرية مع روسيا، معتبرًا أن هذه الصفقات تُسهم في دعم موسكو وتُهدد الاستقرار العالمي. وتُشير هذه التطورات إلى أن العلاقات بين الجزائر وفرنسا تمر بمرحلة حرجة، قد تؤدي إلى مزيد من التدهور إذا لم يتم احتواء الأزمة عبر الحوار والدبلوماسية.
فالمصالح المشتركة بين البلدين، خاصة في مجالات الطاقة والأمن والهجرة، تقتضي تعاونًا وثيقًا، وهو ما يبدو مهددًا في ظل التصعيد الحالي. وتبقى الأيام القادمة حاسمة في تحديد مسار العلاقات بين الجزائر وفرنسا، حيث سيعتمد ذلك على قدرة الطرفين على تجاوز الخلافات الحالية والعودة إلى طاولة الحوار بما يخدم مصالحهما المشتركة. في المقابل، اختارت إيطاليا بقيادة جورجيا ميلوني نهجًا مغايرًا قائمًا على البراغماتية والتقارب، بعيدًا عن التصعيد أو التوتر مع الضفة الجنوبية للمتوسط. فقد أدركت روما مبكرًا أن معالجة ملف الهجرة غير النظامية لا يمكن أن يتم بالضغط أو الإملاءات، بل من خلال التعاون الثنائي المباشر القائم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. ولهذا فتحت ميلوني قنوات جديدة وفعالة مع دول مثل الجزائر، تونس وليبيا، عبر ما يُعرف بـالخطة الإيطالية للهجرة، وهي سياسة متكاملة شملت دعم اقتصادي ومشاريع تنموية وتسهيل الاستثمار، مقابل تعاون في الحد من تدفقات الهجرة. وقد أثمرت هذه الخطة في الأشهر الأخيرة عن نتائج ملموسة، حيث تم تقليص عدد المهاجرين غير النظاميين بنسبة ملحوظة، كما تم تعزيز مراقبة السواحل بتمويل مشترك ووسائل تقنية متطورة. وإلى جانب البُعد الأمني، حرصت إيطاليا أيضًا على إدماج البُعد الإنساني والاقتصادي، ما منح هذه الشراكات بعدًا استراتيجيًا طويل الأمد، يجعل من إيطاليا فاعلًا إيجابيًا في منطقة المتوسط، على عكس بعض القوى الأوروبية التي اتسمت مقاربتها بالجمود أو التوتر الدبلوماسي.