لطالما استُخدم الخوف كسلاح في يد السلطات والحكومات، سواء عبر القمع المباشر أو من خلال السيطرة النفسية على الأفراد والمجتمعات. يُعتبر الخوف أداة فعالة لفرض النظام، وردع الاحتجاج، وتقييد الحريات. لكن هل لا يزال هذا السلاح فعّالًا كما كان؟
ويبدو أن الإجابة بدأت تميل نحو النفي، خاصة مع تصاعد حركات شبابية جريئة، لا تهاب السجون ولا الشرطة. في السنوات الأخيرة، ظهرت مؤشرات على تراجع فعالية سلاح الخوف، إذ شهدنا صعود موجات احتجاجية يقودها شباب في أكثر من بلد، تجاوزوا حاجز الرعب التقليدي من القمع. في المغرب مثلاً، برزت حركة زد، التي بدأت كشكل من أشكال الرفض الثقافي والاجتماعي، قبل أن تتخذ أبعادًا سياسية وتمتد تأثيراتها خارج الحدود. والأمر نفسه تشهده مدغشقر، حيث بدأت مجموعات شبابية تتحدى النظام السياسي في ظل أزمة اقتصادية خانقة. أما في بعض دول آسيا، فقد برزت حركات راديكالية شبابية تطعن في شرعية السلطات الحاكمة، وتقود احتجاجات واسعة ضد ما تعتبره أنظمة فاسدة أو غير شرعية. هذه الحركات تنمو في بيئة يعتقد فيها الشباب أن الخوف لم يعد درعًا يحمي الحكومات، بل قيدًا يجب كسره. وقد تتولّد عن هذه الاحتجاجات نوع من الحصانة النفسية أمام أدوات القمع، فلم تعد عصا البوليس تُخيف، ولا الزنزانة تُرهب، بل أصبح الاعتقال يُنظر إليه كعمل بطولي، والموت أثناء المواجهة يتحوّل إلى استشهاد في سبيل مقاومة النظام.
هكذا يُعيد الشباب تعريف المفاهيم التقليدية للبطولة والتضحية، ويكسرون بذلك احتكار الدولة لرموز القوة والسيطرة. وأبرز مثالٍ حيّ على تحوّل الخوف إلى دافعٍ للتمرد هو ما تشهده القضية الفلسطينية اليوم. فمع وصول أسطول الصمود إلى غزة، لم يعد التهديد بالقصف أو الاعتقال يردع النشطاء والمتضامنين من مختلف دول العالم. الخوف لم يعد كابحًا، بل أصبح حافزًا. ومع كسر حاجز الرهبة من القوة الإسرائيلية، تجاوز التمرد حدوده الجغرافية وأصبح صوتًا عالميًا. شباب من آسيا، إفريقيا، وأمريكا اللاتينية، باتوا يراهنون بأجسادهم مقابل فكرة: أن العدالة تستحق التضحية.