في خطوة غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية الخامسة، قررت المحكمة الإدارية في باريس سحب وسام جوقة الشرف legion d'honneur من الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، على خلفية إدانته في قضايا فساد واستغلال نفوذ وتمويل غير قانوني لحملاته الانتخابية.
ويُعد هذا القرار سابقة منذ تجريد الماريشال بيتان من نفس الوسام عقب الحرب العالمية الثانية، ما يطرح تساؤلات عميقة حول العلاقة بين الشرف السياسي والنزاهة القضائية. ولقد دخل ساركوزي منذ خروجه من السلطة عام 2012 في دوامة من التحقيقات والمحاكمات وفي سلسلة من القضايا الخطيرة وأولها قضية التنصت (2014–2021) أين أُدين بمحاولة رشوة قاضٍ مقابل الحصول على معلومات تخص تحقيقًا ضده، وحُكم عليه في 2021 بالسجن 3 سنوات، بينها سنة نافذة. وتلاحق ساركوزي أيضا قضية تُعرف بقضية بيغماليون (2021–2024) وتتعلق بتجاوز الحد القانوني للإنفاق في حملة 2012 الانتخابية. وقد حُكم عليه بالسجن سنة واحدة نافذة مع تنفيذها تحت المراقبة الإلكترونية. والقضية الأخطر سياسيًا التي لا تزال تلاحق الرئيس السابق ساركوزي، التمويل الليبي، وهي قضية قيد المحاكمة، حيث يواجه اتهامات بتلقي تمويل غير قانوني من نظام معمر القذافي لحملة 2007، ومن المتوقع أن تُعرض أمام المحكمة في 2025 أو 2026.
ويذكر أن في التاريخ الفرنسي، لم يُسحب وسام جوقة الشرف من رئيس دولة إلا مرة واحدة سابقًا، وكان ذلك مع الماريشال فيليب بيتان، الذي جُرّد من جميع أوسمته في سنة 1945 بعد إدانته بالخيانة لتعاونه مع ألمانيا النازية. ومقارنة ساركوزي ببيتان ليست على مستوى الجرم، بل في الرمزية التاريخية: كلا الرجلين حازا على أعلى وسام في فرنسا، وكلاهما فقده نتيجة سقوط أخلاقي أو قانوني اعتبرته الدولة مناقضًا لقيم الجمهورية. وفي جوان 2025، أيدت المحكمة الإدارية في باريس توصية مجلس وسام جوقة الشرف بسحب الوسام من ساركوزي استنادا إلى المادة التي تمنع الاحتفاظ بالوسام في حال الإدانة بجرائم مخلة بالشرف أو الأمانة. ويؤشر هذا القرار إلى تحول في تعامل الجمهورية مع رموزها، حيث لم يعد التكريم الرسمي محصنًا من المساءلة الأخلاقية والقانونية، حتى إن كان المعني رئيسًا سابقًا وهو إعلان أخلاقي من الدولة الفرنسية بأن الشرف الوطني لا يمنح دون ثمن، ولا يُحتفظ به رغم الإدانة. في بلد شعاراها الحرية والمساواة والأخوة، لم يعد بالإمكان الفصل بين السلطة والعدالة، حتى في أعلى مراتب الجمهورية.