رغم ضغوط سياسية متصاعدة من عدة أطراف داخل البرلمان الأوروبي وخارجه، صوّت البرلمان الأوروبي لصالح الإبقاء على أورسولا فون دير لاين على رأس المفوضية الأوروبية، لتواصل ولايتها الثانية في منصب رئيسة المفوضية، في قرار وصف بالمثير للجدل والمخالف لتوقعات مراقبين كثر.
وشهدت جلسة التصويت في ستراسبورغ نقاشات حادة، وسط محاولات من كتل سياسية يسارية وشعبوية للدفع نحو سحب الثقة من فون دير لاين، متهمينها بالاستبداد الإداري والتقارب المفرط مع المصالح الكبرى. لكن التصويت انتهى بأغلبية ضئيلة لصالح تجديد الثقة، بعد أن تمكنت فون دير لاين من حشد دعم كتل الوسط واليمين المعتدل، وعلى رأسهم حزب الشعب الأوروبي EPP الذي تنتمي إليه. وترجع محاولات الإطاحة بها إلى عدة عوامل، أبرزها اتهامات بضعف الشفافية في إدارة الملفات الرقمية والبيئية وانتقادات لطريقتها في معالجة ملف الهجرة، واعتبارها غير حاسمة بما يكفي وعلاقات شخصية وسياسية مع قادة أوروبيين محافظين وتحفظات بعض الدول الشرقية على توجهات المفوضية فيما يتعلق بالطاقة والضرائب. ورغم ذلك، فإن دعم فون دير لاين لحزمة التحول الأخضر، وموقفها الحازم تجاه الحرب في أوكرانيا، أكسبها تأييد كتل مؤثرة تعتبرها عنصر استقرار. ورددت فون دير لاين أمام البرلمان الاوروبي: سأواصل العمل من أجل أوروبا موحدة.
ثم زادت: تلقيت رسالة واضحة من البرلمان اليوم: أوروبا تحتاج إلى الاستمرارية، وأنا ملتزمة بمسار الإصلاح، والوحدة، والدفاع عن قيم الاتحاد. ولقد أكدت أنها ستضع في صلب أولوياتها ملفات الأمن، التكنولوجيا، والعدالة الاجتماعية. وكانت ردود الفعل عديدة إذ وصف اليمين المتطرف النتيجة بأنها صفقة داخلية مشبوهة. واعرب الخضر واليسار الأوروبيعن خيبة أمل، مؤكدين استمرارهم في مراقبة أداء المفوضية. ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن إبقاء أورسولا فون دير لاين على رأس المفوضية الأوروبية هو الخيار العقلاني لضمان استقرار أوروبا في لحظة اضطراب عالمي. إن في تجديد البرلمان الأوروبي الثقة في فون دير لاين لا يعني نهاية الخلافات حول أدائها، بل ربما يمثل بداية مرحلة أكثر تحديًا، حيث يتعين عليها إثبات قدرتها على الاستماع للنقد، وتقديم مفوضية أقرب للشعوب الأوروبية وأكثر استجابة للقلق الاجتماعي والاقتصادي في القارة.